فصل: كلام جامع للماوردي في بَابُ حَدِّ الزِّنَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الحسن {ولا تأخذكم بهما رأفة} قال: الجلد الشديد.
وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم وعامر {ولا تأخذكم بهما رأفة} قالا: شدة الجلد في الزنا، ويعطى كل عضو منه حقه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير عن شعبة قال: قلت لحماد: الزاني يضرب ضربًا شديدًا؟ قال: نعم ويخلع عنه ثيابه قال الله {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} قلت له: إنما ذلك في الحكم قال: في الحكم والجلد.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عمرو بن شعيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قضى الله ورسوله إن شهد أربعة على بكرين جلدا كما قال الله مائة جلدة، وغربا سنة غير الأرض التي كان بها، وتغريبهما سنتي.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عمر؛ أن جارية لابن عمر زنت، فضرب رجليها وظهرها فقلت: {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله} فقال: إن الله لم يأمرني أن أقتلها، ولا أن أجلد رأسها، وقد أوجعت حيث ضربت.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي برزة الاسلمي، أنه أتي بأمة لبعض أهله قد زنت وعنده نفر نحو عشرة، فأمر بها فاجلست في ناحية، ثم أمر بثوب فطرح عليها، ثم أعطى السوط رجلًا فقال: اجلد خمسين جلدة ليس باليسير ولا بالخضفة، فقام فجلدها وجعل يفرق عليها الضرب، ثم قرأ {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} قال: الطائفة الرجل فما فوقه.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} قال: الطائفة عشرة.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في الآية قال: الطائفة واحد إلى الألف.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، ليكون ذلك عبرة وموعظة ونكالًا لهم.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة في الآية قال: ليحضر رجلان فصاعدًا.
وأخرج ابن جرير عن الزهري قال: الطائفة الثلاثة فصاعدًا.
وأخرج عن ابن زيد في الآية قال: الطائفة أربعة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن نصر بن علقمة في قوله: {وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين} قال: ليس ذلك للفضيحة، إنما ذاك ليدعو الله لهما بالتوبة والرحمة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشيباني قال: قلت لابن أبي أوفى رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قلت: بعدما أنزلت سورة النور أو قبلها؟ قال: لا أدري. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا}:
يجوزُ في رَفْعِها وجهان. أحدهما: أن يكونَ مبتدًا. والجملةُ بعدَها صفةٌ لها، وذلك هو المُسَوِّغ للابتداءِ بالنكرةِ. وفي الخبرِ وجهان، أحدُهما: أنَّه الجملةُ مِنْ قولِه: {الزانية والزاني} وإلى هذا نحا ابنُ عطية، فإنه قال: ويجوز أن يكونَ مبتدًا. والخبرُ {الزانية والزاني} وما بَعد ذلك. والمعنى: السورةٌ المُنَزَّلَةُ المَفْرُوْضَةُ كذا وكذا؛ إذ السورةُ عبارةٌ عن آياتٍ مسرودةٍ لها بَدْءٌ وخَتْم. والثاني: أنَّ الخبرَ محذوفٌ أي: فيما يُتْلَى عليكم سورةٌ، أو فيما أَنْزَلْنا سورةٌ.
والوجهُ الثانِ مِنَ الوجَهين الأَوَلَيْن: أَنْ يكونَ خبرُ المبتدأ مضمرًا أي: هذه سورةٌ. وقال أبو البقاء: {سورةٌ} بالرفع على تقديرِ: هذه سورةٌ، أو مِمَّا يُتْلى عليك سورةٌ فلا تكونُ {سورةٌ} مبتدأَةً لأنها نكرةٌ. وهذه عبارةٌ مُشكلة على ظاهِرها. كيف يقول: لا تكونُ مبتدًا مع تقديرِه: فيما يُتْلى عليك سورةٌ؟ وكيف يُعَلِّلُ المنعَ بأنها نكرةٌ مع تقديرِه لخبرِها جارًَّا مُقَدَّمًا عليها، وهو مُسَوِّغٌ للابتداء بالنكرة.
وقرأه العامَّةُ بالرفعِ على ما تقدَّم. وقرأ الحسن بن عبد العزيز وعيسى الثقفي وعيسى الكوفي ومجاهدٌ وأبو حيوة في آخرين {سورةً} بالنصبِ. وفيها أوجهٌ، أحدها: أنها منصوبةٌ بفعلٍ مقدرٍ غير مفسَّرٍ بما بعدَه. تقديره: اتْلُ سورةً أو اقرأ سورةً. والثاني: أنها منصوبةٌ بفعلٍ مضمرٍ يُفَسِّره ما بعده. والمسألةُ من الاشتغال. تقديرُه: أَنْزَلْنا سورةً أنزلناها. والفرقُ بين الوجهين: أنَّ الجملةَ بعد {سورةً} في محلِّ نصبٍ على الأول، ولا محلَّ لها على الثاني. الثالث: أنها منصوبةٌ على الإِغراء، أي: دونَكَ سورةً. قال الزمخشري، ورَدَّه الشيخُ: بأنه لا يجوزُ حَذْفُ أداة الإِغْراءِ، واستشكل الشيخُ أيضًا على وجهِ الاشتغالِ جوازَ الابتداءِ بالنكرةِ من غيرِ مُسَوِّغٍ. ومعنى ذلك: أنه ما مِنْ مَوْضع يجوز فيه النصبُ على الاشتغالُ إلاَّ ويجوز أن يُرْفَعَ على الابتداءِ، وهنا لو رُفِعَتْ {سورة} بالابتداءِ لم يَجُزْ؛ إذ لا مُسَوِّغٍ. فلا يُقال: رجلًا ضربتُه لامتناعهِ: رجلٌ ضربتُه. ثم أجاب: بأنه إنْ اعتُقد حَذْفُ وصفٍ جاز، أي: سورة مُعَظَّمة أو مُوَضَّحة أَنْزَلْناها، فيجوزُ ذلك.
الرابع: أنَّها منصوبةٌ على الحال مِنْ ها في {أَنْزِلْناها}. والحالُ من المكنى يجوز أن تتقدَم عليه. قاله الفراء. وعلى هذا فالضميرُ في {أَنْزَلْناها} ليس عائدًا على سورة بل على الأحكام. كأنه قيل: أَنْزلنا الأحكامَ سورةً مِنْ سُوَرِ القرِآن، فهذه الأحكامُ ثابتةٌ بالقرآنِ، بخلافِ غيرِها فإنَّه قد ثَبَتَتْ بالسُّنة.
قوله: {وَفَرَضْنَاهَا} قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالتشديدِ. والباقون بالتخفيف. فالتشديد: إمَّا للمبالغةِ في الإِيجاب وتوكيدًا، وإمَّا لتكثير المفروض عليهم، وإمَّا لتكثيرِ الشيءِ المفروض. والتخفيفُ بمعنى: أَوْجَبْناها وجعلناها مقطوعًا بها.
قوله: {الزانية والزاني}: في رفعهما وجهان: مذهب سيبويه أنَّه مبتدأٌ، وخبرُه محذوفٌ أي: فيما يُتْلَى عليكم حكمُ الزانية. ثم بَيَّن ذلك بقوله: {فاجلدوا} إلى آخره. والثاني وهو مذهبُ الأخفش وغيرِه: أنه مبتدأٌ. والخبرُ جملة الأمر. ودخلت الفاءُ لشِبْه المبتدأ بالشرط. وقد تقدَّم الكلامُ على هذه المسألةِ مستوفىً عند قوله: {واللذان يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا} [النساء: 16] وعند قوله: {والسارق والسارقة} [المائدة: 38] فأغنى عن إعادتِه.
وقرأ عيسى الثقفي ويحيى بن يعمر وعمرو بن فائد وأبو جعفر وشيبة ورُوَيْس بالنصبِ على الاشتغال. قال الزمخشري: وهو أحسنُ مِنْ {سورةً أنزلناها} لأجلِ الأمر. وقرئ {واللذَّانِ} بلا ياءٍ.
قوله: {رَأْفَةٌ} قرأ العامَّةُ هنا، وفي الحديد، بسكون الهمزة، وابنُ كثير بفتحها. وقرأ ابن جُرَيْج وتُروى أيضًا عن ابن كثير وعاصم {رَآفة} بألفٍ بعد الهمزة بزنةِ سَحابة، وكلُها مصادِرُ ل رَأَفَ به يَرْؤُف. وقد تقدَّم معناه. وأشهرُ المصادرِ الأولُ. ونقل أبو البقاء فيها لغةً رابعةً: وهي إبدالُ الهمزةِ ألفًا. ومثلُ هذا ظاهرٌ غيرُ محتاجٍ للتنبيهِ عليه فإنها لغةٌ مستقلةٌ وقراءةٌ متواترة.
وقرأ العامَّةُ {تَأْخُذْكم} بالتأنيثِ مراعاةً للَّفظِ. وعلي بن أبي طالب والسُّلمي ومجاهد بالياء مِنْ تحتُ؛ لأنَّ التأنيثَ مجازيٌّ وللفصلِ بالمفعولِ والجارِّ. و{بهما} متعلقٌ ب {تَأْخُذْكم} أو بمحذوفٍ على سبيل البيانِ. ولا يتعلَّقُ ب {رَأْفة} لأنَّ المصدرَ لا يتقدَّم عليه معمولُه، وفي {دين الله} متعلقٌ بالفعلِ قبله أيضًا. وهذه الجملةُ دالَّةٌ على جوابِ الشرطِ بعدَها، أو هي الجوابُ عند بعضِهم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:
بسم الله اسم نذير الوفاة فرقته، اسم بشير الحياة وصلته، اسم سبب الروح عرفانه، اسم راحة الروح إحسانه، اسم كمالُ الأُنس إقبالُه، اسم فتنة قلوب الميهمين جماله، اسم من شهده دامت سلامته، اسم من وجده قامت قيامته، اسم لا إليه حظوة، ولا بدونه سلوة.
قوله جلّ ذكره: {سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا}.
سورة هي شَرَفٌ لك- يا محمد- أنزلناها لأن أقلَّ ما ورد به التحدي سورة؛ فكلُّ سورةٍ شَرَفٌ له عليه السلام لأنها له معجزة، بيَّناها وشرعنا فيها من الحلال والحرام، وبيَّنا فيها من الأحكام لكم به اهتداء، وللقلوب من غمرة الاستعجام شفاء.
أنزلنا فيها آياتٍ بيناتٍ ودلائلَ واضحاتٍ، وحُجَجًا لائحات؛ لتتذكروا تلك الآيات، وتعتبروا بما فيها من البراهين والبينات.
قوله جلّ ذكره: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}.
والعقوبة على الزنا شديدة أكيدة، ولكن جعل إثباتَ أمره وتقريرَ حُكْمِه والقطعَ بكونه على أكثر الناسِ خصلةً عسيرةً بعيدةً؛ إذ لا تُقْبَلُ الشهادةُ عليه حتى يقولُ: رأيتُ ذلك منه في ذلك منها! وذلك أمرٌ ليس بالهيِّن، فسبحان مَنْ أَعْظَمَ لاعقوبةَ على تلك الفَعْلَةِ الفحشاء، ثم جعل الأمر في إثباتها بغاية الكدِّ والعناء! وحين اعترف واحدٌ له بذلك قال له صلى الله عليه السلام: «لعلَّك قَبَّلْتَ لعلَّك لامَسْتَ» وقال لبعض أصحابه. «استنكهوه» وكلُّ ذلك رَوْمًا لِدَرْءِ لاحدِّ عنه، إلى أن ألحَّ وأصرَّ على الاعتراف.
قوله جل ذكره: {وَلاَ تَأْخُذُكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ في دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الأَخِرِ}.
ما يأمر به الحقُّ فالواجب مقابلته بالسمع والطوع.
والرحمة من موجب الشرع وهو المحمود، فأمّا ما يقتضيه الطَّبعُ والعادة والسوء فمذمومٌ غيرُ محمود. ونهى عن الرحمة على من خَرَقَ الشرعَ، وتَرَكَ الأمرَ، وأساءَ الأدبَ، وانتصبَ في مواطنِ المخالفة.
ويقال نهانا عن الرحمة بهم، وهو يرحمهم بحيث لا يمحو عنهم- بتلك الفَعْلة الفحشاء- رقم الإيمان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن» ولولا رحمته لما استبقى عليه حُلّة إيمانه مع قبيح جُرْمِهِ وعصيانه.
قوله جل ذكره: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابهُما طَآئِفَةٌ مِّنَ المُؤْمِنينَ} أي ليَكُونَ عليهم أشَدَّ، وليكون تخويفًا لمتعاطي ذلك الفعل، ثم من حقِّ الذين يشهدون ذلك الموضعَ أن يتذكروا عظيمَ نعمةِ الله عليهم أنهم لم يفعلوا مِثْله، وكيف عَصَمَهم من ذلك. وإن جرى منهم شيءٌ من ذلك يذكروا عظيمَ نعَمةِ الله عليهم؛ كيف سَتَرَ عليهم ولم يفضحهم، ولم يُقِمْهم في الموضع الذي أقام فيه هذا المُبْتَلَى به وسبيلُ من يشهد ذلك الموضعَ ألا يُعَيِّرَ صاحبَه بذلك، وألا ينسى حُكْمَ الله تعالى في إقدامه على جُرْمِه. اهـ.

.كلام جامع للماوردي في بَابُ حَدِّ الزِّنَا:

قال عليه الرحمة ما نصه:

.بَابُ حَدِّ الزِّنَا وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ:

.بيان السبب في تسميتها حدود:

كِتَابُ الْحُدُودِ بَابُ حَدِّ الزِّنَا وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: رَجَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْصَنَيْنِ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا، وَرَجَمَ عُمَرُ مُحْصَنَةً، وَجَلَدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِكْرًا مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا. وَبِذَلِكَ أَقُولُ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا الْحُدُودُ تعريفها: فَهِيَ عُقُوبَاتٌ زَجَرَ اللَّهُ بِهَا الْعِبَادَ عَنِ ارْتِكَابِ مَا حَظَرَ، وَحَثَّهُمْ بِهَا عَلَى امْتِثَالِ مَا أَمَرَ. وَفِي تَسْمِيَتِهَا حُدُودًا تَأْوِيلَان:
أحدهما: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَدَّهَا وَقَدَّرَهَا، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَجَاوَزَهَا فَيَزِيدَ عَلَيْهَا أَوْ يَنْقُصَ مِنْهَا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ قُتَيْبَةَ. وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهَا سُمِّيَتْ حُدُودًا: لِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ الْإِقْدَامِ عَلَى مَا يُوجِبُهَا، مَأْخُوذًا مِنْ حَدِّ الدَّارِ: لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ مُشَارَكَةِ غَيْرِهَا فِيهَا، وَبِهِ سُمِّي الْحَدِيدُ حَدِيدًا: لِأَنَّهُ يُمْتَنَعُ بِهِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْبَوَّابَ وَالسَّجَّانَ حَدَّادًا: لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الْخُرُوجِ، قَالَ الشَّاعِرُ: كَمْ دُونَ بَابِكَ مِنْ أَقْوَامٍ أُحَاذِرُهُمْ بِأُمِّ عَمْرٍو وَحَدَّادٍ وَحَدَّادِ يُرِيدُ بِالْحَدَّادِ الْأَوَّلِ الْبَوَّابَ، وَبِالْحَدَّادِ الثَّانِي السَّجَّانَ؛ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنَ الْمَنْعِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي بَائِعَ الْخَمْرِ حَدَّادًا: لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْهَا إِلَّا بِالثَّمَنِ. وَقَدْ كَانَتِ الْحُدُودُ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بِالْغَرَامَاتِ؟ وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ غَلَّ صَدَقَتَهُ، فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ اللَّهِ، لَيْسَ لِآلِ مُحَمَّدٍ فِيهَا نَصِيبٌ. وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ بَعْضُ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ: {فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ} [يُوسُفَ: 74]، أَيْ مَا عُقُوبَةُ مَنْ سَرَقَ مِنْكُمْ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ فِي أَنَّكُمْ لَمْ تَسْرِقُوا مِنَّا. {قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ} فَهُوَ جَزَاؤُهُ أَيْ جَزَاءُ مَنْ سَرَقَ أَنْ يُسْتَرَقَّ {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [يُوسُفَ: 75]، أَيْ: كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالظَّالِمِينَ إِذَا سَرَقُوا أَنْ يُسْتَرَقُّوا، فَكَانَ هَذَا مِنْ دِينِ يَعْقُوبَ، ثُمَّ نُسِخَ غُرْمُ الْعُقُوبَاتِ بِالْحُدُودِ. فَعِنْدَهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا قُطِعَ السَّارِقُ فَلَا غُرْمَ فَتَأَوَّلْنَاهُ عَلَى سُقُوطِ غُرْمِ الْعُقُوبَةِ.